الجمعة، 22 يوليو 2011

متعة الرحيل وعزاء الرحيل بقلم سعد الدين محمد أحمد , منشور 127



  سادت في الفلسفة السياسية النظرية القائلة إن الطغيان والاصلاح نقيضان لا يلتقيان أبداً إلا بإزاحة أحدهما للآخر فليس ثمة نظام ديمقراطي أصيل في التأريخ لم يولد إلا من رحم ثورة حقيقية جذرية وشاملة ذلك أن الطغيان لا يمكنه أن يصلح نفسه بنفسه إلا فقد أمانه الذاتي وعرض بنيته الحديدية للتفكيك لا يمكن للطغيان أن يحتفظ بامتيازاته المفرطة وهو يتقبل جرعات من إصلاحات مهادن مرحلياً لنجاحات نسبية مرحلية من هنا أن أكثر الطغاة يصمون آذانهم عن الاصلاح معتقدين أنهم ما داموا ممتلكين لوسائل العنف والبطش التي أتاحت لهم ديمومة سلطانهم فإنهم قادرون على إجهاض حركات الاحتجاج التي لم تتمكن بعد من إثبات قوتها الذاتية فالطاغي ينطلق دائماً من موقف الرافض للاعتراف بالآخر طالما لم يتح للآخر أن يكتسب بعض عوامل المقاومة وهكذا يستدرك القوم من بني السلطة مواقفهم المهزوزة دائماً والتي لا تحب السكن الهادي حتى يتدبروا أمرهم وهكذا تبدو السياسة السودانية للنظام الحاكم والسلطة وكأنها داخلة في حرب ضروس ضد زحف الثورات الشعبية ولم تخاف الاجنحة داخل النظام والحزب الواحد والماسك بكتاب الله والذي يرى لا شريك له وكل يبكي ليلاه جناح نافذ بالحزب وآخر نافذ بالامن وكل ما لديه فرحون ولكل مجموعته مجموعة تأثر السلامة بفتح بعض النوافذ وليس الابواب لتجديد التهوية ودخول بعض الاوكسجين وأخرى تغلق أي نافذة خوفاً من تسرب الاعاصير واجتياحهم• آلام المخاض تزكم الانوف الذي واجه النظام إبان وقبيل الانفجار والانشقاق الكبير والذي يهز أركانهم حتى اليوم ويجعل الشك دائماً في وسطهم هذا شعبي وذاك وطني والذي جعل شيخهم حبيساً على مر الايام والثقافة السلبية سماتهم ورغم النفي آن الاوان أن يكتمل ليلة الرابع عشر من الشهر العربي حتى نرى البدر اكتمل قمراً، لم نستغرب لهذا الصراع وهذا ديدنهم والمخفي أكبر وأفزع ولم يكن لهذا النظام أن يتصرف بغير الطريقة التي يعرفها والتي يتجنب كل معنى للاصلاح أو التغيير خشية الزوال وتفضل بالتوقيع على كل مطالب الغربة وخاصة الامريكان ولو على حساب تربة الوطن وانشقاقه والمواطن وعلى كل الاعراف والمعتقدات حامية لنفسه من الذوبان والزوال وضمان الاستمرارية وعلى ظن أنها تحمي النظام لكن الشعور بالقلق راح يجتاح صفوفهم وذهبت نيفاشا والاستفتاء وأبوجا وأبيي والقائمة طويلة وكل فواتيرهم المدفوعة أدراج الرياح >شمار في مرقة< ولا نجاة هذه المرة فقد قفزت الشرارة فوق الحدود وحيث تكتب مصائر الامة من جديد وبأيدي الشعب هذه المرة لا بإقفال المأمور أو المؤتمر• الاصلاح سادتي قد يتم اللجوء إليه للتغطية على حقيقة المعادلة غير المتكافئة هذه بين قوة البطش المحركة لافكارهم وخططهم وأفعالهم وبين ما ينطوي عليه عدوهم الشعب من مخزون قواه الطبيعية والانسانية المكبوتة فيحاول الاصلاح أن يجعل الطاغية يختار بينه وبين حالة الانفجار المتوقعة لتلك القوى الجماهيرية التي يخشاها وإن كان لا يعترف بوجودها، والاصلاحيون يدخلون كوسطاء لمقايضة خوف القمة من انفجار القاعدة فيما يشبه صفقة تجارية وكل يتمنى أن يربح من هذه الصفقة فيما يدفع المتسلط الثمن ببعض التنازلات الشكلية مقابل أن تتراجع المعارضة عن مطالب الثورة الناجزة الهادفة إلى إسقاط النظام كلياً• وتتقبل ما يسمى بأنصاف الحلول هذا الوضع الملتبس والذي يصطلح عليه بالنفاق السياسي والذي خلفه قوى التمركز في أشخاص ومؤسسات وفعاليات فئوية أو قطاعية، فليس للاستبداد إلا رأسمال واحد وهو فائض العنف الوحشي على كل عنف لآخر لاعتراض إنساني يمارسه شعب المضطهدين والمظلومين وأن المؤسف في تأريخ الاستبداد أن سلالة الطواغيت فاقدة لذاكرة أصنامها كبيرها وصغيرها وعليه لا بد من التصدي الاجتماعي والثقافي ضد أي سلطة فاسدة ومستبدة ظاهرة أم خفية وذلك حماية للمجتمع غير المتأطرة تنظيميا، ومن حين لآخر ولكسب الجولة نرى العزف على وتر العاطفة العقدية فالاسلام لا يسبغ الظلم ولا يقبل نهب الثروات ولا جعل الحكم حكراً لمجموعة ولم تنزل عليهم رسالة سماوية ولا تجديد قرنية وقد جاءت ساعة الحساب وبإرادة الشعوب التي هي من إرادة الله وبالصمود الباسل والنفوس المعبأة وبأشواق استعادة الكرامة الانسانية والعظة ظاهرة والرحيل متعة عندما يمارسه الكائن الحر لانه سفر واكتشاف وهو تغيير مبدع للامكنة والكائنات لكن الطغاة ليسوا أحراراً أنهم عبيد استعبادهم للآخرين وهم إذا رحلوا سيختفون لانهم يتنفسون برئات غيرهم وليس للطغاة فضاء خاص بذواتهم لانهم سرقوا الفضاء العام واسترقوه ولا يعني رحيلهم بالنسبة إليهم إلا انتكاسة لا عزاء لها مع أنه باب قد يقضي إلى تحريهم من استعبادهم لشعوبهم لو كانوا يفقهون لا تهابوا قسوتهم ولا يغرنكم تمسكهم العنيد بالسلطة الطغاة كلهم يتصرفون هكذا وهكذا يفكرون يعتصرون أن دوران الارض مرتبط بوجودهم وهم لا شيء•• قوتهم الهشة تنبع من ضعف العالم الذي يتسيدون عليه بلا سبب واختم بأبيات الشابي: أغرك أن الشعب مغضٍ على القذى وأن الفضاء الرحب وسنان مظلم ألا إن أحلام البلاد دفينة تجمجم في أعماقها ما تجمجم ولكن سيأتي بعد لأْيٍ نشورها وينبثق اليوم الذي يترنم هو الحق يغضي ثم ينهض ساخطاً فيهدم ما شاء الظلام ويحطم لك الويل يا صرح المظالم من غدٍ اذا نهض المستضعَفون وجمجوا

لنا كلمة عفواً•• بقلم سعد الديم محمد أحمد ()منشور رقم 126)

إنه حزبكم أتكرهون الجنة•• ما هذا التمويه؟ في >نص رأي< من هذه الصحيفة د• خالد التجاني تحت عنوان >مأزق المؤتمر الوطني حزب من؟< كتب قائلاً >الحديث هنا عن المؤتمر الوطني ينسحب بالضرورة أيضاً والانقسام الذي حدث بينهما لا يغير من حقيقة أنه الوجه الآخر للعملة ذاتها فهما شريكان في كل أخطاء التأسيس البنيوية، وكما هو حادث الآن فالصراع الذي أدى للانشقاق لم يكن بسبب تباين الرؤى الفكرية أو المواقف السياسية بقدر ما كان صراعاً على النفوذ والامساك بمفاتيح السلطة<• انتهى الاقتباس لو توقف د• خالد عند هذا القدر الجلي من مقاله لكفى الله المؤمنين شر القتال ولكن من ترعرع وشب مع الجماعة وشرب ماءهم لا بد أن يكشف نفسه بحيث يدري أم لا يدري مهما حاول الاخفاء بين السطور فاختتم مقاله بتلخيص ما ذهب إليه >وهل تكتفي الاغلبية الصامتة من الاسلاميين بالجلوس في مقاعد المتفرجين مكتفية بالتحسر والبكاء على اللبن المسكوب أم تنهض لتلعب دوراً إصلاحياً ليس من أجل الحفاظ على السلطة التي جاءت ممارستها على مدى عقدين خصماً على القيم الاخلاقية لمشروعهم الاسلامي ولكن من أجل الاسهام في حوار جاد ومسؤول مع الجماعة الوطنية بمختلف مشاربها وتنوعها يؤسس لمشروع وطني جديد للسودان يسع لكل أبنائه بنظام ديمقراطي حقيقي يستفيد من عثرات الماضي وعبره ولا يعيد أزماته المتطاولة< انتهى الاقتباس وبعد هذا الوضوح لا يذهب من فطنة القارئ تبنيهم واحتكارهم الاسلام دون سواهم ومنح الصكوك لجماعة وطنية وغير وطنية وفرض بأنهم أوصياء على هذا الوطن والشعب حسب رغباتهم وتجربة جديدة لمشروع جديد مواز للمشروع الحضاري والديمقراطية المفترى عليها التي ذبحت في ليل مظلم بأيديهم والاغلبية الصامتة من الاسلاميين تدثروا بثوب القوات المسلحة في ليلة الثلاثين من يونيو 89 واغتصبوا الديمقراطية وانتهكوا حرمة الشعب والذي جعلهم صامتين الصراع على النفوذ والامسكاك بمفاتيح السلطة فآثروا السلامة لانهم كانوا في موقف الضعفاء كشيخهم وها هو مشروعكم الحضاري شاهداً على النفاق فلا تحاولوا التملص من المسؤولية أين كنتم طوال العقدين من هذا النقد بل هذا السيناريو لا يعدو أن يكون جزءاً من اتجاهات الجماعة لانقاذ نفسها التأريخ ليس ببعيد مدون وشفاهة تكفي أخوان >جبهة الميثاق، الاتجاه الاسلامي، الجبهة القومية، الحركة الاسلامية، الكيان الجامع، المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي وأخيراً الاسلاميون الصامتون لا تحصى ولا تعد تلبسون لكل حال لبوسها وكالثعابين يغيرون جلودهم حسب الحاجة، الاسلاميون خططوا للاستيلاء على السلطة وها هي الآن بين أيديهم طوال عقدين ونيف من السنوات ترى ماذا هم فعلوا بها سوى تصفية الحسابات كفروا بالديمقراطية وذهب مفكرهم مع المعتقلين إلى سجن كوبر في عملية تمويه حتى إذا فشلت حركتهم حينذاك يكون هو منها براء والجماعة من خلفه لتدور لمكر آخر قالوا أتوا من أجل إقامة الدين والعدل والمحافظة على وحدة الوطن والتراب والتنمية والاستقرار والحد من جنون سعر الصرف واجتثاث الفساد ومعاقبة المجرمين والفاسدين خرجوا ضد اتفاقية الميرغني قرنق خرجوا في المسيرة المليونية والعقائديون من هم سيطروا على أجهزة الامن والاستخبارات العسكرية والشرطة يبحثون عن الضحايا مدنيون بملابس الجيش السوداني استولوا على السلطة في الظلام باسم قيادة القوات المسلحة والتمويه هي كلمة السر•• البلاد تقزمت، الفساد يمشى بين الناس، سعر الصرف لا تسألوا عنه، التمرد في الاتجاهات الاربعة للبلاد، اتفاقيتهم وبال على الوطن، وهكذا دواليك بعد العقدين• وعليه يا عزيزي كيف يمكن قراءة ما يحدث وما نراه وما نسمعه بطريقة موضوعية تسمح لنا أن نقف إلى جانب الحقيقة أن نتعامل معه وكأنه واضح بيّن وسهل المتناول هي إجابة ليست فقط خاطئة بل هي بالخصوص مضللة ويمكنها أن تقود القارئ الحائر المتسائل إلى اتخاذ مواقف من شأنها أن تقف إلى جانب من يتلاعبون بالحقائق ويسمحون لانفسهم لتحريضها وتزييفها المسألة تتعلق بكيفية قراءة هذا التنظيم الخطر على المواطن والوطن بل البشرية جمعاء بطريقة موضوعية وهي مسألة شائكة ومعقدة وتجربة فيها المثير والمنتهك لانسانية الانسان• بعد هذه الملاحظات المطلوب الاجابة عن السؤال الجوهري الملحاح الذي يفرض نفسه اليوم لان الامر يتعلق بمسؤولية كبيرة ملقاة على عاتق المثقفين والمفكرين والباحثين والصحافيين الاحرار ومن سار على دربهم كيف اقرأ كل ما يصلني بحذر واحتاط حتى لا أقع في فخ الكذب او التزوير او تلاعب ومناورات المتصارعين فيما بينهم حول تحقيق اهدافهم ومصالحهم كيف اعرف ان الموضوع المعروض هو قضية عادلة او مسألة تستحق الوقوف إلى جانبها والذود عنها، على القارئ التخلص من الاعتقاد بمركزية ذاته اي بانه القطب الجوهري في الوجود وان كل مجرات الكواكب وانظمة الافكار تدور حوله وهذا الشرط ضروري للتحرر من ثقل القيود التي تمنع من الانفتاح في الرؤية والوضوح في النظر وهو وراء اعطاء اذاننا للآخرين نسمع لهم وهم يعبرون عن وجهات نظرهم ويعرضون الاسباب التي تدفعهم إلى الاعتقاد بسلامتها وصحتها او بواقعيتها على القارئ التمييز والتفريق بين نوعين من المواضيع التي تقبل التأويل والتي لا تقبل التأويل فالاولى طبيعتها نظرية وقابلة للاخذ والرد والجدل وتأخذ اصلها من عالم الافكار وهدفها التعبير عن رأي في مسألة ما او قضية من القضايا كل واحد منا له فكرة خاصة او رؤية شخصية حول كل قضية من هذه القضايا ويمكنه ان يكون مع او ضد هذه الفكرة او تلك وهو من اجل الدفاع عن وجهة نظره يسوق دلائل وامثلة نشهد بصحتها و جديتها ويمكن لهذا النوع من المواضيع ان يتخذ شكل وثيقة مكتوبة، اما الصنف الآخر اي الثاني من المواضيع فلا يعبر عن رأي بل يقدم حدثا وقع بالفعل ويمكن التأكد منه اما بالمشاهدة او رؤية العين واما بالملاحظة والتجربة وكفانا تقسيم الادوار• عزيزي خالد•• النخب هي التي عجزت عن جس نبض الشارع واستشراف تطلعاته النخب لم تعمل على التغلغل في اعماق الجماهير لتسبر اغوارها بل كان همها اسقاط مفاهيم نظرية جاهزة لا تتناسب وطبيعة مجتمعاتها• عشرون عاما ونيف وانتم تحتلون المنابر والمهرجانات والصحف ولم تتجاوزوا شعوبا تموت وصحوات تعيش وانتم تجادلون باحقيتكم على قهر الناس عشرون عاما وانتم تكتبون لانفسكم وتجلدون الجمهور الذي لا يريد رؤيتكم ولا يبكي لبحثكم عن وطن ودولة تهجركم لانها تأنف من رؤيتكم عشرون عاما وطن يطلب الخلع منكم التي ضيعت امة من اقصاها إلى اقصاها•• الفتات تطالعنا بمانشيت اننا بخير والشعب بخير لكن اي شعب فقد يكون الشعب الذي تخدمونه هو جماعتكم واسركم واعمامكم وخالاتهم وعماتكم، عشرون عاما لم نكتشف سارق رغيف ولا بائع مفاتيح بوابات الحدود، عشرون عاما ولم تكتشفوا إلى الآن ان الامة تداعت من حلفا لنمولي ومن القاش للجنينة وان الفساد نخرها من رأسها إلى اخمص قدميها عشرون الف نكبة مرت على الامة وانتم تروون حكايات الف ليلة وليلة عن بطولة الدباب في الميل اربعين وعن حقوق المجاهدين في اعراس الشهيد وعن الدفاع عن الوطن المشطور بفعل الانتصار في الجهاد والتحرير ومناصرة الشعوب ولم ترو لنا نهاية القصة وانتم الوطني والشعبي واخيرا الصامتون شركاء فيما حدث ويحدث للوطن• الحيادية التي يزعمها الاعلام لا يمكن ان تتحقق ما دام من ينقل المعلومة هو اعلامي وبالتالي هو انسان ينتمي لبقعة ما على هذه المنظومة واحيانا تفضح كلمة واحدة انحيازا خبيثا للمتحدث او الكاتب بها حيث تتعدى العموميات والشمول إلى اضافة منظور شخصي لا يمكن تجاهله لان في الاعلام تحديداً التعميم النمطي والقوالب الفكرية الجاهزة وعلى الاسلاميين ان يستغفروا ربهم ويعودوا إلى رشدهم والتوبة النصوحة ومتطلباتها وان يردوا الحقوق لاصحابها ان كانوا جادين رضاء لربهم اولا وللوطن ثانيا• فالثورات التي حدثت الآن في المنطقة وبهذه النوعية والاهم انها خارج اطار النخب بل تعدت بحداثتها جميع النخب السياسية التنظيرية ليصل بعضها إلى حالة جديدة من الوعي والرقي غير مسبوقة نعم انطلقت هذه الثورات من دون اي توجيه من النخب بل والاهم انها في معظمها لا تبحث عن قادة لها في بنك القيادات الوطنية بل انها اما حركات قيادات وطنية غير معلنة واما افرزتها من رحمها وبعضها وقع في محظور عدم وجود البديل الحركات والثورات التي انطلقت بعيدا عن النخب استطاعت اجتياز كافة المعوقات• عزيزي القارئ حقا ان الشيطان يوجد في التفاصيل: الاسلامي، والوطني، وغير الوطني و المشروع والديمقراطية وما ان تبدأ في معالجتها ومناقشتها حتى تقفز إلى الظهور العديد من الصعوبات ويصعب علينا الحسم في الامور لهذا من الاحسن التثبت بالمبادئ الاخلاقية العامة والقيم العليا وحقوق الانسان التي لا يختلف عليها اثنان والانطلاق منها فاذا ما اختلطت على المرء الاشياء والحقائق فلا يعرف ما يفعل واي موقف يتخذ فهناك معيار يمكنه ان يجنبه الكثير من الاخطاء فليحاول ان يلقي نظرة فاحصة متأنية على واقع علاقات القوة بين الجهات المتخاصمة او المتنازعة سيعرف حينئذ من هو القوى ومن هو الضعيف من هو المظلوم ومن يستعمل العنف ومن يستعمل السلم من يسجن ويعذب ومن هو الضحية ومن هو القاتل ومن هو المقتول• انا شخصيا اخترت ان اكون إلى جانب الضحايا المظلومين الضعفاء الذين لا حول لهم ولا قوة القابعين من معتقلي الرأي في السجون المعذبين والمحرومين من حريتهم والمطالبين بحقوقهم وكرامتهم• وفي النهاية عزيزي تبقى معرفة هذا التاريخ والوعي بمدى معفوله وتأثيره في اتخاذ المواقف والقرارات السياسية الكبرى شيئا ضروريا لفهم ما يحدث اليوم وهنا لا تجدي الحسرة•

عدوى المصطلحات وآخرها ,المتفلتون,العهدة على الراوي

 منشور رقم (124) الاستاذ سعد الديم محمد أحمد
وهو من فصيلتهم اجتمع القوم فيما بينهم يتجاذبون أطراف الحديث في هوامش تصفية الحسابات بينهم ويكفكفون الدمع فيما صاروا إليه بيدهم وليس بيد عمرو ويتندرون بما يحدث داخل كيانهم وجدوا العنكبوت ينسج خيوطه داخل دورالمعارضة ولهذا ما الذي يحدث وتندر أحدهم قائلاً ما يحدث ما هي إلا لعبة كرة القدم بدون حكم فعقب عليه آخر كل الاركان مكتملة في ساحة الملعب إلا أن الحكم فاقد للصفارة لشيء نجهله• وفي ظل هذه الازمة الطاحنة عندما يختلف السودانيون فيما بينهم على تفسير الله يحمي البلد من أفاعيل هؤلاء التي يتداولها الجميع فهذا دليل أن الازمة الوطنية التي تمر بها البلاد تجاوزت المجال السياسي عملاً وتفكيراً فليس مصير الحياة السياسية فقط على المحك انما مصائر المجتمعات السودانية ووجودها وثقافتها أيضا وبعيداً عن السياسة والتنظير فيها لا يمكن انكار واقع أن الكيان السوداني بمكوناته وثقافته المختلفة كان في شكل أو في آخر أسير نوع من العزلة وهي عزلة تفاقمت وتطورت نتيجة تغيبب وغياب التمثيل السياسي الحقيقي لكل هذه المكونات الاجتماعية ونظرة الانقاذ منذ الاستيلاء على الوطن والسلطة معاً إلى التنوع السوداني بعيون الريبة والشك والتخوف فأنكره بدل أن يستثمر عوامل الغنى التي يمثلها وهذا ما زاد من أصراره على صهر السودانيين جميعاً في بوتقته الايدولوجية المقدودة بكل شعاراتها وخطاباتها الحلمية واللا واقعية ما أنتج بمرور الزمن في سبات الحلم الابدية وتكذيب الشعارات المرفوعة لحاكميتهم المستمدة من الخالق وتصدير الايدولوجية كرسل لمحاربة العدو الخارجي هذا بينما كان الداخل يهترئ ويتحلل والراهن أن مكر التأريخ قد حدث وقال كلمته فوصل الاحتقان السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي ذروته وأصبحوا مستوردين للاوامر والايدولوجية من العدو الخارجي• عاشوا منذ أن وطئت أقدامهم المواقع قبل بزوغ الضوء في الثلاثين من يونيو المشؤوم على مصطلحات الانقاذ حتى المتفلتين وبينهم أمور متشابهات لا تحصي ولا تعد لا يعون للنصيحة بعداً إلا بعد ضحى الغد• حين كان الدكتاتوريون يتخندقون من خطر الشعوب ويسخرون الآلة الاعلامية الرسمية لخدمة هذا الاستلطاف لكن فقط لكي يضمن عدم تحرير إرادة الشعوب في المطالبة بالتغيير لانهم يعلمون علم اليقين أنهم سوف يواجهون ذلك بالقوة الغاشمة وإراقة الدماء ولا يريدون أن يصلوا إلى تلك المرحلة لانها إهدار للمال العام وللطاقة التي يعتبر النظام في أمس الحاجة إليها ولا سيما بعد الانفصال المرير ولا يهمهم دم المواطنين ولا الخسائر البشرية أو المادية لذلك كانوا يبادرون إلى انتاج معارضتهم الوديعة لهذا سوف يسقط بالضرورة كل رموزهم السياسية سواء الحاكمة منها أو المعارضة طائفية كانت أم أي شيء آخر نلتمس الخيبة في جحور السياسة ففعل السياسة لم يتفجر بعد تعمد النخب السياسية المتلونة بحربائية طاغية في التأسيس بكيمياء سياسية تستطيع بها احراق الوجدان الجماهيري ولا يهم في مثل هذه المسرحية للواقع السياسي كل أخطاء المرحلة ومن ذلك مثلاً أن تتقدم حركة مجتمع السلم بانعقاد مؤتمر خارج الحدود بمصطلح أصحاب المصلحة وكأن الداخل تبع في بلد مرسوم له ان يلعب دوراً محدداً من الغضب الاعظم والامر يكتفي بالاطعام والاسكان ومراسم التشريف وفي جهة من جهات الوطن بتنظيم ندوة حول الاعلام والتغييرات السياسية الحاصلة أو ندوة حول حرية التعبير من دون أدني اهتمام إلى المشهد السياسي المتأزم كأن أحد المتسببين فيه هم الشركاء السياسيون المنضوون تحت لواء التحالف فكيف تناقش وضعاً أزمويا وتنفي مسؤوليتهم الثابتة في حدوثه وتجد افتعال المواقف الحضورية التي تجعل الذات الحزبية ممثلة في قياداتها تتبحر في عمق اللغة كي تفيد من تدفق المعنى والتغطية على الحدث بايقاع اللغة والدفع بهالة من المصطلحات قصد ترتيب الزوغان عن المشاكل الجوهرية المطروحة على المستوى الفكري الذي يتناول الجذور وليس المظاهر وهو ما تحاول الطبقة السياسية اقحام الجماهير في أتونه حتى لا تكاد تنفذ إلى الجوهر لان الجوهر يخرج بالاسئلة الوجودية من حيث أنه يقف على الحقائق التي يكشفها السؤال المتعمق عرض الظاهر المرضي وبالتالي يصبح الهروب الوحيد من المواجهة المحتملة أو الحاصلة هو التسلح بعدل اللغة التي تستقر في الوجدان الجماهيري كلما كانت ايقاعية يتسرب صداها المنغم إلى الذات بما يجعل الملتقى مسحوراً بضخامة الجسم الموسيقي والمعنوي للكلمة وهو ما ينتج الكارزيما الخائبة التي تفتعل الموقف لاجل تمرير الفكرة والحضور المهرجاني للشخصية الذي نشاهده في كل منابر اللقاءات الحاشدة• يرى المتتبع لتسطير الكلام بأنه مدبج بترسانة من المصطلحات التي لا تعبر عن شيء بقدر ما تحاول استعراض قوتها البلاغية على مسرح الحدث التغييري فالمصطلح في حالة انعدام قناة للتجاوب معه يعتبر ترفا فكريا ولعبا حزبيا كل المراد منه هو المحافظ على هيكل الهيئة ويقيه اثر لها ضمن الخريطة السياسية كما يدخل انتاج المصطلح في إطار لعبة إبدال مصطلح السلطة بمصطلح مقترح من قبل المعارضة على وزن حكومة عريضة قومية موسعة سم ما شئت وبالتالي يصبح هناك تجاذب يخلق معارك تنافسية هامشية تستنزف كافة الرؤية لدى المواطن البسيط الذي يمكن أن تكون لديه فكرة بسيطة حول كيفية إدراج شبكة القفة ضمن توازنات دهاليز السياسة المعتمة• يبقى الهدف من لعبة المصطلح هو تنويه الرأي العام بين ما هو كائن وما يجب أن يكون حيث يلعب الاعلام الدور المفعل لمعادلة الالهاء وتسويق التصريحات المتناقضة الصادرة عن الحزب الحاكم بل الفرد الواحد يبدو من شكل ترتيب دفعها محاولة للهروب من ظاهرة الخلافات داخل الحزب وقطع الطريق أمام الاسئلة المحرجة في هذا النطاق فالحزب يعيش أزمة انشقاق آخر في الصف من خلال مواقف القيادة تجاه ما يدور حوله الكلام على تقييم الاداء، ونصيحتنا وإن كان ستذهب مع الريح أننا لم نسمع يوماً أن الشعب شكك في فوز أحد الرؤساء في البلاد الديمقراطية الحرة المتقدمة لان الضامن الوحيد للنزاهة هو القانون والارادة الحرة وهما العاملان اللذان نفتقدهما في بلادنا وفي مؤسساتنا وهل من مجيب• والتصريحات للفئة المتنفذة التي تشكل مركز ضغط في الحزب والتي يباركها ويرخى لها اللجام من القائد فولد مصطلح المتفلتين• ولا شك أن توسنامي قادم لا محالة وإن تأخر فلن يتأخر أكثر•

سئمت الكراسي من جلاسها , سعد الديم محمد أحمد , منشور 125

 المرشح الأوفر حظاً حسب الاستقصاءات للفوز برئاسة الجمهورية الفرنسية القادمة >دومنيك ستراوس< مدير صندوق النقد الدولي تم توقيفه بتهمة التحرش الجنسي بعاملة الفندق الذي كان ينزل فيه في نيويورك وهو في طريقه إلى الاجتماع برؤساء الدول الاوروبية وسيق كأي متهم عادي مكبلا إلى السجن والمحكمة•• هذا المشهد المؤلم لهذه الشخصية العالمية لآلاف من الفرنسيين وغيرهم الذين رشحوه لاعالي المناصب في بلاده وفي العالم ولكن تلك هي العدالة التي لا تفرق بين كبير وصغير ولا مدير صندوق النقد الدولي الذي يوزع المليارات على الدول وبين عاملة تنظيف في فندق إذ لا يوجد لديهم مشروع حضاري ولا قوانين الشريعة ولا نظام عام ولا عدالة ناجزة ولا القوي الامين ولا نيابات ومحاكم خاصة ولا ايجازية ان كان دومنيك بريئاً من التهم التي ألصقت به أو يدان الذي يهمنا كثيراً انما العبرة الحقيقية هي في أن المحاكمة العادلة مضمونة في الانظمة الديمقراطية وان حقوق الانسان محترمة لا كما الحال في بلادنا وفي اللا ديمقراطية وفي اللا هوية والتشدد الشكلي والقانوني الذي نتمتع به في حماية الاخلاق الحميدة والمحافظة على التقاليد البالية ومراعاة أحكام العقيدة الدينية أدى احيانا كثيرة على يد بعض السلطات الحكومية والقضائية إلى امتهان حقوق الانسان وتكبيل لحرية وحماية الفاسدين والمفسدين من أصحاب النفود والحظوة• وفي المشهد المسرحي اننا نشاهد ونرى الآن الشر يرقص على انقاضه فالنظام الذي ألغى إرادة الشعب وتحالف مع طغاته ومفسديه ها هو يلتف على أزماته ويحاول إقناع الشعب أنه يرقص معه على انقاض طغاته ومفسديه وليس على انقاضه هو، ولكي تتضح الصورة جلياً علينا النظر إلى كابوس النظام الجاثم فوق المؤسسات والوحدات والهيئات المفصلة تفصيلاًَ دقيقاً على مقاسات معينة والتي أدت إلى تضارب المصالح والنزاع في فرز الكيمان وتوزيع الغنائم ويبدأ الحديد يفل الحديد• عندما خلق النظام المؤسسات والهيئات والوحدات وأسس للفساد من صفر التمكين بفكر سفر التمكين يستحيل معه الالتقاء بأي شرط من شروط العدالة الاجتماعية والانسانية والفساد الذي نخر الامة وأصبح سلعة معرضة في بترينات المؤسسات وله ءقدام وأيادٍ ما هي إلا منتوج النظام الرسمي وهياكله الادارية والمالية والفنية ولا يتحمل أي فرد ما هذه المسؤولية التي تقع على رأس أولي الامر منا، والنظام الرسمي الذي يعتقد أنه سيد نفسه وأن لا مرجعية شرعية أو قانونية أو دستورية لديه سوى قوته وهيمنته واستبداده• لو قام خبراء المال والاقتصاد والتنمية في بلادنا بعملية حصر وجرد للعائد القومي على امتداد آخر عشرين عاماً لوجدوا ان ما لا يقل عن تسعين في المائة من الناتج القومي قد ضاع وسرق وتبدد وأن التنمية على امتداد هذه السنين والاعوام لم تنل منه شيئاً يذكر وأن المواطن ازداد فقراًَ وتخلفاً وجهلاً• يفاجئ الصحف أو هكذا يظهر للطبقة المستنيرة من حين لآخر وللمواطن بمانشيت عن فساد مقنن بمؤسسة ما وإقاله المدير وإحاله آخر للتحقيق وثالث قدم استقالته أو أجبر ثم ماذا؟ حيرتونا بعد العقدين من الزمن أنه تصفية حسابات ليس الا مرتبات عالية وبنود حوافز مغرية ومفزعة في آن ومعفية من الضرائب ما ذنبه أين السستم؟ اين الوصف الوظيفي اين الهيكل الراتبي والاداري اين شروط الخدمة وموقعه من الوظائف الموازية اننا نرى الفساد في مركز النظام بأجمعه• حاشا لله أن يتهم مواطن أحداً بلا قرينة فما بالك اذا كان هذا الاحد موظفا عاما يدير الدفة انما هو فقط تساؤل مواطن عادي ألم تكن لديكم تقارير عن الفساد والظلم تقارير المراجع العام البين وتقارير اللجان التي توضع في الادراج لماذا لم تعرضوها على الرأي العام لابراء ذمتكم أمام الشعب هل تخافون من اللص القائد ولا تخافون من الشعب اعلنتم محاربة الفساد ترتجفون تقتربون منه خطوة وتتراجعون عشرة خطوات هذا سلوك لا علاقة له بلا صلاح ومحاربة الفساد وما تفسير ذلك وإليكم تفسير المواطن العادي لستم أبرياء قد يكون لديكم علة تخافون منها شركاء في الفساد هذا شيء لا قرينة عليه لكنه تساؤل رجل الشارع فاسمعوه منا، ان ازدهار المحسوبية في محاربة الفساد والرشوة في اي بينة ان آليتها القانونية غامضة وسيادة القانون فيها مستحيلة وبهذا فإن الفساد يقلل ثقة المواطن في مؤسساته ويؤدي إلى التفكيك الاجتماعي ويقلل من سلطة القانون وينعش سوق المحسوبية ونشير بأن الاجهزة الرقابية لا تقوم بدورها لانها غير مستقلة عن السلطة التنفيذية أس الفساد ولذلك فكل فساد تكشف ويصل إلى النيابة هناك شكوك حوله وعندما يتم تبرئة المسؤول يكاد يكون هناك إجماع أنه تم تضييع القضية فإن القيادة السياسية لم تكن حكيمة في معالجة كافة القضايا ابدا ما لم يتوفر لها واولها فصل السلطات وثانيا وجود مراكز استراتيجية عالية التقنية تقوم بوضع وصياغة خطط وبرامج سياسية واقتصادية تساعدها على ادارة دفة البلاد على اكمل وجه ووجود مستشارين سياسيين اكفاء ذوي اختصاصات وثقافات واسعة مهنيين >تكنوقراط< مجردين عن الاهواء الشخصية والولاءات الحزبية والطائفية تجمعهم المصلحة العليا للبلاد وان تباين اراءهم واختلفت وجهات نظرهم يمتلكون شجاعة كافية لابداء الرأي حول القضايا التي تتعلق بحياة المواطنين ومستقبلهم وجود هذه المرتكزات المهمة ضروري لمعالجة القضايا وللدخول إلى عالم الاقتصاد والسياسة المعاصرة الذي يعتمد اساسا على التنوع والتخصص والخبرات الجماعية وتوزيع المسؤوليات اكثر من الاعتماد على المواهب الفردية والاجتهادات والخبرات الشخصية المحدودة• والمناظر التي نشاهدها دليل سأنبئكم بما احطتم او لم تحطوا به علما ستنقشع الغيوم سيقع الطغاة والمفسدون واحدا تلو الآخر وهذا بداية انهيارات المنظومة كعصا سليمان عليه السلام والحياري لا يدرون وسئمت الاشياء وتكلمة الملعقة فحركت ذيلها وبطنها وقالت انها تحتاج لسانا لتقول كفى لمن اكل بها حتى تكرش والسكين تكلمت فقالت انها تريد لسانا يمكنها من الحديث لتعزي ذوي من اغتالتهم غدرا ولتكفكف دمع من وأدتهم غيلا وسئم الكرسي من جليسه واعتصم وانتفض وارتعش الكرسي تحت الملك حتى كاد يسقطه وقف الملك وسأل الكرسي أخيانة وغدر يا موضع أماني ومربط شرفي واستنجد بالسيف صائحاً سيفي ولم يسعفه السيف في فعل شيء• ودومنيك يقف أمام القاضية في نيويورك والاحساس بالخجل والعار واضح على وجهه ربما ضاعف منها أن القاضية كانت أنثى وكأن الاقدار أرسلت له أنثى لتثأر لانثى أخرى وهكذا جاءنا الهدهد بعد غياب عقدين بالخبر اليقين سيقف الجلاد أمام المجلود خجلاً فلتسعدوا وتستعدوا هذا ما أردت أن أنبأكم به فإنه لقريب•

بين حزب العدالة وحزب الانقاذ والجمهورية الثانية

     منشور رقم (123)
أشياء ومواضيع لا بد من الوقوف عندها لاخذ الدروس والعبر يا اولي الالباب سمعت الفيلسوفة الهندية چارچي بأن في إحدى الغابات البعيدة عالماً جليلاً عارفاً بالله فرغبت في مقابلته وبلغت مقره بعد رحلة شاقة ثم سألت أحد تلاميذه أن يستأذن لها عليه فعاد يبلغها انه لا يستطيع استقبالها لانه في عقيدته لا يقرب النساء وهنا ابتسمت چارچي وقالت للتلميذ وهي تهم بالعودة من حيث أتت، حسناً لقد انقضت بعد هذا رغبتي في رؤيته ولما حمل التلميذ إلى أستاذه جوابها لحق بها وسألها كيف عزفت عن رؤيتي وقد تجشمت في سبيلها هذه الرحلة الطويلة؟·
فقالت لاني عرفت أنك لست عارفاً حقيقياً بالله وعاد الرجل يسألها كيف عرفت ذلك؟ فأجابت قائلة لان العارف الحقيقي بالله لا يفرق بين احد من خلقه·
ونحن بعد عقدين من الزمن ومن الدغمسة عرفنا بأنكم لستم أصحاب المشروع الحضاري فعلاً بعد هذه السنوات العجاف انتقل النظام بعد ان شاح بشكل دراماتيكي إلى مرحلة الاحتضار او ما يسمى هذه الايام حافة الهاوية وادى ذلك إلى ولادة قيصرية مباغتة لطفل ناقص النمو بما يعرف الجمهورية الثانية والتبشير بها في الوقت الذي تغيرت فيه النظم وأبجدياتها السياسية فوق كل اعتبار ولا يمكن تجاوزه والالتفاف حوله بمجموعة من الرزم والمبادئ او الثوابت الكرتونية المزيفة السامية وكان نتاج النظام القمعي الذي حكم عقدين ونيف بيد من حديد والمحصلة النهائية مزيداً من الفقر المدقع ومزيداً من البطالة ومزيداً من كبت الحريات ومزيداً من الطبقية والفساد الذي أخذ ينخر ويزكم الانوف في أرجاء الوطن·
حقق حزب العدالة والتنمية انتصاراً في الانتخابات التشريعية التي جرت أمس الاول في الدولة العلمانية على التوالي للمرة الثالثة الحزب ذو الميول الاسلامية بنسبة تجاوزت 51% من مقاعد البرلمان وهو فوز كبير يعكس تصاعد شعبيته بالنسبة السابقة حوالي 46% هذا النجاح الكبير والمشرف لم يأت نتيجة شعارات فارغة وانما نتيجة جهد كبير بذله رئيسه وأنصاره بصبر وثبات ومصداقية وإبداع واحترام الآخر وتحويل تركيا من دولة غارقة في الديون والفساد إلى قوة اقتصادية تقع في المركز السابع عشر عالمياًَ وقوة سياسية تلعب دوراً بارزاً في السياسات الدولية·
السيد أردوغان القادم من قاع المجتمع قدم مثالاً ونموذجاً في الحكمة والتعقل لجميع شعوب العالم عندما جعل النمو الاقتصادي ومحاربة الفساد ولجم المتفلتين من العسكر من الاولويات الاساسية والضرورية لاي شعب يتطلع إلى النهضة والسيادة والقرار الوطني المستقل وعمل حزب العدالة على ترسيخ قيم العدالة والديمقراطية وحقوق الانسان والفصل الكامل بين السلطات والاحتكام دائماً إلى صناديق الاقتراع والاعتراف باللغة الكردية كلغة رسمية وثقافتهم كأحد أبرز مكونات الثقافة التركية واعترف بهويتهم وسمح لهم بتدريس لغتهم وثقافتهم وإنشاء قنواتهم الخاصة ولا ننسى خطاب أوردغان عقب نتيجة الانتخابات بالحرف الواحد نحن لسنا أسيادكم إنما نحن خدمكم ونحتضن المعارضة وحياها·
وبعد كل هذا أترك لفطنة القارئ تلبيس لكل حال لباسها والمقارنة انتم ايضا الآتون من قاع المجتمع كما ادعيتم لم ترضوا بالديمقراطية وصناديق الاقتراع وتداول السلطة فاستوليتم على السلطة تناديكم للانقاذ وبعد عقدين ونيف اكتشف الشعب بان الانقاذ تحتاج للانقاذ وزيف الشعارات جعلتم انفسكم رقباء على ما في الصدور باسم الدين مرة وأخرى بنقاء الوطنية فانقسم المجتمع السوداني إلى مسلمين وغير مسلمين وخونة ايضا حسب تصنيفكم والنظام الاعلامي الذي درب الصحافيين والمذيعين والكتاب على فلسفة التخوين فتشت في كل ما اختزنته الذاكرة طوال العقدين لتبرير وتفسير ما تراه أعيننا ولا تتحمل أن تراه أو تصدق ما تراه تقزمت البلاد قوات دولية تحت الفصل السابع لم يتم السلام ولم يقف الحرب تدهور اقتصادي التعليم في خبر كان الصحة لا تسأل عنها القيم والمثل أسأل عنهما في دارالمايقوما أو الكوش الجوع ينهش جسد المواطن خسرنا كل المعارك وبعد هذا تتفوهون  بالجمهورية الرسالية الثانية·
هل يمكن لسلطة القهر ان تقود سلطة حوار ذلك تساؤل لا يعرفه المستبدون وهم في أوج قوتهم وقد لا يخطر ببال بعضهم الا وهم على وشك الانحدار فما هي الافكار والمهمات التي قد يقبل الديكتاتوريون ان يقدموها سوى ما يمتلكونها من قوة القهر وحدها هل يتنازلون عنها ماذا يتبقى لهم من التفوق غير العادي على كل مجتمع ذلك الآخر الذي اصبح هو عدوه الحقيقي يبحثون عن التعويض من ارادة القوة المنهارة إلى ارادة القهر وحده حينما يمارسون افانين الفساد علنا جهارا هذا يعني بكل بساطة انهم ليسوا خارج المساءلة فحسب بل لانهم واقعيا خارج المشروعية فلهم الحق في اقتراف كل ما ليس مشروعيا وبالتالي ما ليس أخلاقياً وصلوا في غفلة من الدهر إلى قمم السلطة بالاسلوب الانقلابي البلدي لا ندعى ان شعنبا المستكين أتيحت لطواغيتها وان كان الحاضن لنماذج الاستبداد كما في معظم العادات والتقاليد الابوية المسيطرة والمفروضة فحول هذا الاستبداد إلى بنية المؤسسة الحاكمة الفعلية لتكون هي المنتجة وحدها لمتغيرات الدولة الفوقية بحيث يشير تطور كل المجتمع والدولة في اتجاهين متعاكسين دائما المجتمع في جدلية التقدم بالرغم من كل عثراته والدولة المتسلطة منشغلة لعزل بنيتها وسياساتها عن حركة المجتمع واكثر من هذا فانها تعرقل التقدم او تحتكر بعض ثمارها لصالح مراكز القوة في قمتها اننا نعيش زمن الاشتباك مع الوطن مع الذين صنعوا لنا الف ازمة مقدسات دنسوها جميعا ثم راحوا يتسترون خلفها وحولوها إلى ساطور يضربون به كل من طالب بحقوقه او قام بواجب اصلاح الحال نتوكل على لله ونقتحم اذا كنا مؤمنين بقدرنا هي مرحلة قد تطول او تقصر ولكن تأكدوا بان فئران السفينة ستغادرها عندما تلوح العاصفة في الافق وعلينا بالصبر·
كل ما نرجوه ان تتقدموا بالاعتذار الشديد للشعب الفضل لصبره عليكم ربما لم تتوفقوا فيما اعلنتم لسقوطكم في شهوة وشبقية السلطة وافسحوا له المجال لكي يختار ما يريد تصور اننا لا نملك اي طموح ولا فكر لاننا عاجزون حتى على قول الحق لاننا ننتظر المنقذ من سيأتي ومن اين سيأتي لاننا نسأل السؤال الغبي الذي بكل بساطة يفضحنا امام العالم الحر قبل ان يفضحنا امام انفسنا من البديل؟
فلا دليل وجهل على صدق هذه الكلمة الا هذا الذي يوضح مدي الجهل وعدم الطموح وخلق الاشياء نحن لا نريد من يحكم ولكن نريد كيف يحكم بل نريد مجتمعا متحضرا واعيا ومتعلما يبني ما هدمتم وهدمه الآخرون·
واختم حديثي بالرواية التي تروى في يوم من الأيام عندما كان كونفو شيوس يمر بجبل تاي سمع امرأة تنتحب بمرارة امام قبر فارسل احد تلاميذه ليسألها عن السبب وقال لها يبدو صوت نحيبك حزن شديد اجابت المرأة قائلة نعم لقد قتل نمر صماي والتهمه ثم لاقى زوجي المصير نفسه اما الآن فانا ابكي على ابني الذي التهمه نمر هو الآخر وعندما سمع كونفوشيس هذا الكلام سألها لماذا لا تتركين هذا المكان فاجابته لانه ليس به حاكم ظالم التفت كونفو شيوس حينها إلى تلاميذه وقال لهم تذكروا دوما يا شباب ان الظلم اشد وطأة على النفس من النمر·
جالت بخاطري هذه الرواية وانا استمع إلى احد اصدقائي من دارفور الجريحة وهو يصف لي بان احد اخوته يصلي الاوقات الخمسة في الحرم الابراهيمي اولى القبلتين في القدس ويرسل لاسرته شهريا ما يسد حاجتهم شهريا من اسرائيل في هذا الزمن التعيس·

السبت، 16 يوليو 2011

بن لادن صاحب رسالة اتفقنا أم اختلفنا كلياًَ أو جزئياًَ

 لنا كلمة بن لادن صاحب رسالة اتفقنا أم اختلفنا كلياًَ أو جزئياًَ للشعوب ثقافات ومعتقدات وعلى أي فرد ومجتمع احترام الآخر في معتقداتها فالفراعنة كانوا يرمون الفتاة الجميلة في النهر ليزيد الفيض ويزيد النماء وتقديساً للنهر والعرب كانوا يدفنون البنت حية تحت التراب خوفاًَ من العار إذا رزقهم الله بالأنثى• جماعات >الفايكنغ< في اسكندنافيا كانوا يضعون الميت في سفينة مجهزة بالطعام والشراب بل الخدم أيضاً ثم يدفنون السفينة بكل ما عليها أو يحرقونها أو يتركونها للامواج تتقاذفها• ولا يخفى قصة قابيل قتل هابيل لانه غريمه واتخاذ الغراب نموذجاً لمواراة الجثة بالثرى بكرامة من الوحوش والطير والبهائم إذا ما أحست بالموت في نفسها تأوي إلى مكان تحتجب فيه حتى تموت• والدفن على طريقة الزرادشتيين حيث تعلق الجثة على لوح حجر عال لتتغذى عليها الطيور الجوارح والهندوس يحرقون الجثة حتى لا يتبقى منها سوى الرماد والمسلمون طريقتهم في ستر الموتى لا يغيب عن رؤية سيدة العالم وادعاء الحقوق والديمقراطية وحقوق الانسان ولكنها تتصرف بعنجهية وعن جهل وعمد، إنها الدولة الارهابية الاولى الولايات المتحدة الامريكية• إن الاشخاص الذين عاشوا حياتهم كأساطير لا تكتمل مغامرتهم إلا بالموت الذي يخلدهم ويكمل الدائرة وكلما كانت طريقة الموت مختلفة عن المعتاد ازداد اللمعان والغموض والبعد الاسطوري، فاغتيال جيفارا حوله إلى رمز ثوري واغتيال عبد الله عزام حوله إلى رمز جهادي عالمي وموت الاميرة ديانا الغامض جعل منها مثالاً ملهما وكأن الموت يوجد حياة جديدة لهؤلاء الاساطير وغيرهم• والنعمان ملك العراق مع كسرى الفرس حيث دهسته اقدام الفيلة على مرأى الجموع كما فعل هولاكو بالخليفة المعتصم العباس لما دفنه حيّاً وقد ثارت حمية العراقيين بموته فيها من استهانة بارادتهم وكرامتهم رغم نقمتهم عليه• ولدت القاعدة في الثمانينيات في افغانستان على بنية تحتية من المتطوعين من رحم الولايات المتحدة الامريكية لمحاربة السوفيت والدافع لاقامة القاعدة إحساس بالنصر لدى بن لادن والمجاهدين الذين نجحوا في إلحاق الهزيمة بقوة عظمى هي الاتحاد السوفيتي وقد شعروا بأنهم يعيدون أمجاد التأريخ الاسلامي السابق وسيلحقون الهزيمة بأمريكا المتغطرسة أيضاً ويشربونها من نفس الكأس والمثل: >من حفر حفرة لاخيه لا بد أن يقع فيها<• قضى أوباما ثلاثة أرباع مدته في البيت الابيض لم يحقق شيئاً من شعارات العيش المشترك مع الحضارات الاخرى ولم ينجح في إقرار حق العيش المشترك بين فقراء وأغنياء الامريكيين بفرض رؤيته في الضرائب والتأمين الصحي• أوباما وبوش يمثلون نهجاً واحداً لا أثر للون أو حزب >لوبي واحد< وقد صار أوباما مقبولاً عندما فهم ودار مثل ترس في الالة الجهنمية المتصهينة وعبأ المتصهينون اوبما برسالتهم فوقع قرار الهجوم ولانه سعيد الحظ نجح في مسعاه• لقد أرادت واشنطن أن تصنع من أسامة بن لادن شماعة تعلق عليها كل أخطائها ومعبراً تصفي به حساباتها مع العالم وعنواناً لمرحلة كارثية لارهاب الفكر والعقل والقلم وقد تمكنت بفضل براعة آلتها الدعائية الجهنمية الرهيبة من جعله رمزاً أو شبه رمز للاسلام على الاقل في الغرب وتحديداً لدى مخيال المواطن الامريكي المعزول عن العالم المتلاعب بعقله إعلامياً وعن طواعية المدمن على قنوات الشحن الاعلامي الاميركي وعنصر ابتزاز لكل من تعاطف مع الرجل المطارد وإننا سنكون جبناء لو قلنا باننا فرحنا باغتيال وإعدام بن لادن في الثلث الاخير من الليل وهو يتعبد عوضاً عن القبض عليه وهذا ما تخشاه أمريكا خوفاً من المواجهة والمناظرة والحجة ومحاكمته محاكمة إنسانية عادلة وما زاد الطين بلة رمي جثمانه طعماًَ للاسماك في البحر في سابقة تتنافى مع الدين والعرف والعقل والانسانية والخلق السليم• ولقد تألمنا لمنظر ضحايا نيويورك وهم يلقون حتفهم غدراً وهدراً كما نتألم للضحايا في دارفور والعراق وفلسطين وأفغانستان والفرق بيننا وبين الغرب فهم يتألمون فقط للاشقر ابن جلدتهم ونحن نتألم للجميع من دون تمييز أو فصل ولذا لن نستثني ابن لادن من رحمة الله وسعت كل شيء ونبخسه حلمه الذي ضيع عليه زهرة شبابه وأفنى عمره وبدد ثروته من أجل ألا وهي الشهادة ولا نزكي على الله أحداً• ثقافة الغرب في استئصال الآخر ثقافة الكراهية التي تتأسس على أساس من الاشاعة المقيتة والنميمة العنصرية والطمس العمد والنشر الشاذ وجميع هذه الاشكال تتحدد من تلقاء العلاقة المرضية مع الآخر الذي يتوجب تدميره وبالتالي استئصاله وهي ثقافة فولاذية يتوجب فهمها بقدر ما يتوجب نقدها طالما أنها تتكشف في شكل استراتيجية كامنة في أحيان وسافرة أحيان كثيرة فإذن لا غرابة في كل ما تأتي به الولايات المتحدة الامريكية كعادتها ولندع الايام تكشف ما وراء الاكمة وهكذا فرح الامريكيون وخرجوا إلى الشوارع يرقصون طرباً• وفي بلادي أقام الجماعة إياهم صلاة الغائب وهم الذين يعرضون ابن لادن للبيع في سوق النخاسة للامريكان كإخوانه وطردوا من أوى إليهم شر طردة بلا حقوق والذي نصرهم في وقت الشدة ولا أجد إعراباً لدموع التماسيح التي لم يفتحوا بنت شفة تضامنا معه وهكذا أعرب بن لادن >حكومة••• في ثوب إسلامي< نعم نحن شعوب جريحة تم قهرها اقتصادياً وسياسياً ونفسياً عبر أجندة مدروسة منذ أجيال سبقت وساعد على تنفيذها الحكام بكل تفان وإخلاص والعجيب أنهم الآن هم من يتهموننا بأننا أصحاب أجندات خارجية وكأنهم يرموننا بما هم ضالعين فيه من خيانة وعمالة للامبريالية الامريكية• وتبين النتائج التي أفرزتها المواجهات العسكرية المباشرة لمجابهة الارهاب غير مجدية ولو كانت المواجهة العسكرية وحدها مجدية لتمكن العالم من إنهاء ظاهرة الارهاب تتم محاربة الارهاب من خلال معالجة الاسباب التي تغذي الارهاب بالاضافة إلى إنهاء سياسة الكيل بمكيالين التي تمارسها الدول الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة الامريكية من خلال تعاملها مع القضايا الدولية وضرورة معالجة أسباب الظلم السياسي والاجتماعي ومعالجة تردي الاوضاع الاقتصادية وتباين الاوضاع الاجتماعية لخلق أجواء تساعد على العمل المشترك والتواصل مع الدول التي ترعى الارهاب بدلاً من مقاطعتها وحصارها وتأديبها ومعالجة المنازعات القائمة بين الدولة الداعمة للارهاب وهي أمريكيا والدول التي يمارس عليها الارهاب• إن المجابهة العسكرية كحل وحيد لمحاربة الارهاب بفتح الابواب على مصراعيها أمام المنظمات الارهابية وهنا يجب أن نميز بين الارهاب والكفاح وأعمال المقاومة ضد الاحتلال والظلم والهيمنة ومن أجل التحرير• وإن القضاء على الارهاب يتطلب معالجة الاسباب المباشرة وغير المباشرة للارهاب وإذا لم يتم معالجة الاسباب فستكون النتائج سلبية ومكافحة الارهاب هي مهمة يتحمل مسؤوليتها المجتمع الدولي ويستوجب ذلك حث جميع الدول من أجل القضاء التدريجي على الاسباب الكامنة وراء الارهاب الدولي وهذا لا يلغي على جميع الدول الوفاء بالتزاماتها وفقاً للقانون الدولي بالامتناع عن تنظيم أعمال الحرب الاهلية أو الاعمال الارهابية في دول أخرى بالاضافة للقضاء على مصادر التمويل وغالباً ما يصدر الارهاب عن أفراد أو جماعات تشعر بالظلم والقهر وعدم القدرة على تحقيق الآمال والتطلعات ويتطلب ذلك رفع الظلم عنها هل يعي كل ذلك حكام بلادنا قبل أن يقع الفأس في الرأس وحينها لا ينفع الندم•