سادت في الفلسفة السياسية النظرية القائلة إن الطغيان والاصلاح نقيضان لا يلتقيان أبداً إلا بإزاحة أحدهما للآخر فليس ثمة نظام ديمقراطي أصيل في التأريخ لم يولد إلا من رحم ثورة حقيقية جذرية وشاملة ذلك أن الطغيان لا يمكنه أن يصلح نفسه بنفسه إلا فقد أمانه الذاتي وعرض بنيته الحديدية للتفكيك لا يمكن للطغيان أن يحتفظ بامتيازاته المفرطة وهو يتقبل جرعات من إصلاحات مهادن مرحلياً لنجاحات نسبية مرحلية من هنا أن أكثر الطغاة يصمون آذانهم عن الاصلاح معتقدين أنهم ما داموا ممتلكين لوسائل العنف والبطش التي أتاحت لهم ديمومة سلطانهم فإنهم قادرون على إجهاض حركات الاحتجاج التي لم تتمكن بعد من إثبات قوتها الذاتية فالطاغي ينطلق دائماً من موقف الرافض للاعتراف بالآخر طالما لم يتح للآخر أن يكتسب بعض عوامل المقاومة وهكذا يستدرك القوم من بني السلطة مواقفهم المهزوزة دائماً والتي لا تحب السكن الهادي حتى يتدبروا أمرهم وهكذا تبدو السياسة السودانية للنظام الحاكم والسلطة وكأنها داخلة في حرب ضروس ضد زحف الثورات الشعبية ولم تخاف الاجنحة داخل النظام والحزب الواحد والماسك بكتاب الله والذي يرى لا شريك له وكل يبكي ليلاه جناح نافذ بالحزب وآخر نافذ بالامن وكل ما لديه فرحون ولكل مجموعته مجموعة تأثر السلامة بفتح بعض النوافذ وليس الابواب لتجديد التهوية ودخول بعض الاوكسجين وأخرى تغلق أي نافذة خوفاً من تسرب الاعاصير واجتياحهم• آلام المخاض تزكم الانوف الذي واجه النظام إبان وقبيل الانفجار والانشقاق الكبير والذي يهز أركانهم حتى اليوم ويجعل الشك دائماً في وسطهم هذا شعبي وذاك وطني والذي جعل شيخهم حبيساً على مر الايام والثقافة السلبية سماتهم ورغم النفي آن الاوان أن يكتمل ليلة الرابع عشر من الشهر العربي حتى نرى البدر اكتمل قمراً، لم نستغرب لهذا الصراع وهذا ديدنهم والمخفي أكبر وأفزع ولم يكن لهذا النظام أن يتصرف بغير الطريقة التي يعرفها والتي يتجنب كل معنى للاصلاح أو التغيير خشية الزوال وتفضل بالتوقيع على كل مطالب الغربة وخاصة الامريكان ولو على حساب تربة الوطن وانشقاقه والمواطن وعلى كل الاعراف والمعتقدات حامية لنفسه من الذوبان والزوال وضمان الاستمرارية وعلى ظن أنها تحمي النظام لكن الشعور بالقلق راح يجتاح صفوفهم وذهبت نيفاشا والاستفتاء وأبوجا وأبيي والقائمة طويلة وكل فواتيرهم المدفوعة أدراج الرياح >شمار في مرقة< ولا نجاة هذه المرة فقد قفزت الشرارة فوق الحدود وحيث تكتب مصائر الامة من جديد وبأيدي الشعب هذه المرة لا بإقفال المأمور أو المؤتمر• الاصلاح سادتي قد يتم اللجوء إليه للتغطية على حقيقة المعادلة غير المتكافئة هذه بين قوة البطش المحركة لافكارهم وخططهم وأفعالهم وبين ما ينطوي عليه عدوهم الشعب من مخزون قواه الطبيعية والانسانية المكبوتة فيحاول الاصلاح أن يجعل الطاغية يختار بينه وبين حالة الانفجار المتوقعة لتلك القوى الجماهيرية التي يخشاها وإن كان لا يعترف بوجودها، والاصلاحيون يدخلون كوسطاء لمقايضة خوف القمة من انفجار القاعدة فيما يشبه صفقة تجارية وكل يتمنى أن يربح من هذه الصفقة فيما يدفع المتسلط الثمن ببعض التنازلات الشكلية مقابل أن تتراجع المعارضة عن مطالب الثورة الناجزة الهادفة إلى إسقاط النظام كلياً• وتتقبل ما يسمى بأنصاف الحلول هذا الوضع الملتبس والذي يصطلح عليه بالنفاق السياسي والذي خلفه قوى التمركز في أشخاص ومؤسسات وفعاليات فئوية أو قطاعية، فليس للاستبداد إلا رأسمال واحد وهو فائض العنف الوحشي على كل عنف لآخر لاعتراض إنساني يمارسه شعب المضطهدين والمظلومين وأن المؤسف في تأريخ الاستبداد أن سلالة الطواغيت فاقدة لذاكرة أصنامها كبيرها وصغيرها وعليه لا بد من التصدي الاجتماعي والثقافي ضد أي سلطة فاسدة ومستبدة ظاهرة أم خفية وذلك حماية للمجتمع غير المتأطرة تنظيميا، ومن حين لآخر ولكسب الجولة نرى العزف على وتر العاطفة العقدية فالاسلام لا يسبغ الظلم ولا يقبل نهب الثروات ولا جعل الحكم حكراً لمجموعة ولم تنزل عليهم رسالة سماوية ولا تجديد قرنية وقد جاءت ساعة الحساب وبإرادة الشعوب التي هي من إرادة الله وبالصمود الباسل والنفوس المعبأة وبأشواق استعادة الكرامة الانسانية والعظة ظاهرة والرحيل متعة عندما يمارسه الكائن الحر لانه سفر واكتشاف وهو تغيير مبدع للامكنة والكائنات لكن الطغاة ليسوا أحراراً أنهم عبيد استعبادهم للآخرين وهم إذا رحلوا سيختفون لانهم يتنفسون برئات غيرهم وليس للطغاة فضاء خاص بذواتهم لانهم سرقوا الفضاء العام واسترقوه ولا يعني رحيلهم بالنسبة إليهم إلا انتكاسة لا عزاء لها مع أنه باب قد يقضي إلى تحريهم من استعبادهم لشعوبهم لو كانوا يفقهون لا تهابوا قسوتهم ولا يغرنكم تمسكهم العنيد بالسلطة الطغاة كلهم يتصرفون هكذا وهكذا يفكرون يعتصرون أن دوران الارض مرتبط بوجودهم وهم لا شيء•• قوتهم الهشة تنبع من ضعف العالم الذي يتسيدون عليه بلا سبب واختم بأبيات الشابي: أغرك أن الشعب مغضٍ على القذى وأن الفضاء الرحب وسنان مظلم ألا إن أحلام البلاد دفينة تجمجم في أعماقها ما تجمجم ولكن سيأتي بعد لأْيٍ نشورها وينبثق اليوم الذي يترنم هو الحق يغضي ثم ينهض ساخطاً فيهدم ما شاء الظلام ويحطم لك الويل يا صرح المظالم من غدٍ اذا نهض المستضعَفون وجمجوا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق