منشور رقم (123)
أشياء ومواضيع لا بد من الوقوف عندها لاخذ الدروس والعبر يا اولي الالباب سمعت الفيلسوفة الهندية چارچي بأن في إحدى الغابات البعيدة عالماً جليلاً عارفاً بالله فرغبت في مقابلته وبلغت مقره بعد رحلة شاقة ثم سألت أحد تلاميذه أن يستأذن لها عليه فعاد يبلغها انه لا يستطيع استقبالها لانه في عقيدته لا يقرب النساء وهنا ابتسمت چارچي وقالت للتلميذ وهي تهم بالعودة من حيث أتت، حسناً لقد انقضت بعد هذا رغبتي في رؤيته ولما حمل التلميذ إلى أستاذه جوابها لحق بها وسألها كيف عزفت عن رؤيتي وقد تجشمت في سبيلها هذه الرحلة الطويلة؟·
فقالت لاني عرفت أنك لست عارفاً حقيقياً بالله وعاد الرجل يسألها كيف عرفت ذلك؟ فأجابت قائلة لان العارف الحقيقي بالله لا يفرق بين احد من خلقه·
ونحن بعد عقدين من الزمن ومن الدغمسة عرفنا بأنكم لستم أصحاب المشروع الحضاري فعلاً بعد هذه السنوات العجاف انتقل النظام بعد ان شاح بشكل دراماتيكي إلى مرحلة الاحتضار او ما يسمى هذه الايام حافة الهاوية وادى ذلك إلى ولادة قيصرية مباغتة لطفل ناقص النمو بما يعرف الجمهورية الثانية والتبشير بها في الوقت الذي تغيرت فيه النظم وأبجدياتها السياسية فوق كل اعتبار ولا يمكن تجاوزه والالتفاف حوله بمجموعة من الرزم والمبادئ او الثوابت الكرتونية المزيفة السامية وكان نتاج النظام القمعي الذي حكم عقدين ونيف بيد من حديد والمحصلة النهائية مزيداً من الفقر المدقع ومزيداً من البطالة ومزيداً من كبت الحريات ومزيداً من الطبقية والفساد الذي أخذ ينخر ويزكم الانوف في أرجاء الوطن·
حقق حزب العدالة والتنمية انتصاراً في الانتخابات التشريعية التي جرت أمس الاول في الدولة العلمانية على التوالي للمرة الثالثة الحزب ذو الميول الاسلامية بنسبة تجاوزت 51% من مقاعد البرلمان وهو فوز كبير يعكس تصاعد شعبيته بالنسبة السابقة حوالي 46% هذا النجاح الكبير والمشرف لم يأت نتيجة شعارات فارغة وانما نتيجة جهد كبير بذله رئيسه وأنصاره بصبر وثبات ومصداقية وإبداع واحترام الآخر وتحويل تركيا من دولة غارقة في الديون والفساد إلى قوة اقتصادية تقع في المركز السابع عشر عالمياًَ وقوة سياسية تلعب دوراً بارزاً في السياسات الدولية·
السيد أردوغان القادم من قاع المجتمع قدم مثالاً ونموذجاً في الحكمة والتعقل لجميع شعوب العالم عندما جعل النمو الاقتصادي ومحاربة الفساد ولجم المتفلتين من العسكر من الاولويات الاساسية والضرورية لاي شعب يتطلع إلى النهضة والسيادة والقرار الوطني المستقل وعمل حزب العدالة على ترسيخ قيم العدالة والديمقراطية وحقوق الانسان والفصل الكامل بين السلطات والاحتكام دائماً إلى صناديق الاقتراع والاعتراف باللغة الكردية كلغة رسمية وثقافتهم كأحد أبرز مكونات الثقافة التركية واعترف بهويتهم وسمح لهم بتدريس لغتهم وثقافتهم وإنشاء قنواتهم الخاصة ولا ننسى خطاب أوردغان عقب نتيجة الانتخابات بالحرف الواحد نحن لسنا أسيادكم إنما نحن خدمكم ونحتضن المعارضة وحياها·
وبعد كل هذا أترك لفطنة القارئ تلبيس لكل حال لباسها والمقارنة انتم ايضا الآتون من قاع المجتمع كما ادعيتم لم ترضوا بالديمقراطية وصناديق الاقتراع وتداول السلطة فاستوليتم على السلطة تناديكم للانقاذ وبعد عقدين ونيف اكتشف الشعب بان الانقاذ تحتاج للانقاذ وزيف الشعارات جعلتم انفسكم رقباء على ما في الصدور باسم الدين مرة وأخرى بنقاء الوطنية فانقسم المجتمع السوداني إلى مسلمين وغير مسلمين وخونة ايضا حسب تصنيفكم والنظام الاعلامي الذي درب الصحافيين والمذيعين والكتاب على فلسفة التخوين فتشت في كل ما اختزنته الذاكرة طوال العقدين لتبرير وتفسير ما تراه أعيننا ولا تتحمل أن تراه أو تصدق ما تراه تقزمت البلاد قوات دولية تحت الفصل السابع لم يتم السلام ولم يقف الحرب تدهور اقتصادي التعليم في خبر كان الصحة لا تسأل عنها القيم والمثل أسأل عنهما في دارالمايقوما أو الكوش الجوع ينهش جسد المواطن خسرنا كل المعارك وبعد هذا تتفوهون بالجمهورية الرسالية الثانية·
هل يمكن لسلطة القهر ان تقود سلطة حوار ذلك تساؤل لا يعرفه المستبدون وهم في أوج قوتهم وقد لا يخطر ببال بعضهم الا وهم على وشك الانحدار فما هي الافكار والمهمات التي قد يقبل الديكتاتوريون ان يقدموها سوى ما يمتلكونها من قوة القهر وحدها هل يتنازلون عنها ماذا يتبقى لهم من التفوق غير العادي على كل مجتمع ذلك الآخر الذي اصبح هو عدوه الحقيقي يبحثون عن التعويض من ارادة القوة المنهارة إلى ارادة القهر وحده حينما يمارسون افانين الفساد علنا جهارا هذا يعني بكل بساطة انهم ليسوا خارج المساءلة فحسب بل لانهم واقعيا خارج المشروعية فلهم الحق في اقتراف كل ما ليس مشروعيا وبالتالي ما ليس أخلاقياً وصلوا في غفلة من الدهر إلى قمم السلطة بالاسلوب الانقلابي البلدي لا ندعى ان شعنبا المستكين أتيحت لطواغيتها وان كان الحاضن لنماذج الاستبداد كما في معظم العادات والتقاليد الابوية المسيطرة والمفروضة فحول هذا الاستبداد إلى بنية المؤسسة الحاكمة الفعلية لتكون هي المنتجة وحدها لمتغيرات الدولة الفوقية بحيث يشير تطور كل المجتمع والدولة في اتجاهين متعاكسين دائما المجتمع في جدلية التقدم بالرغم من كل عثراته والدولة المتسلطة منشغلة لعزل بنيتها وسياساتها عن حركة المجتمع واكثر من هذا فانها تعرقل التقدم او تحتكر بعض ثمارها لصالح مراكز القوة في قمتها اننا نعيش زمن الاشتباك مع الوطن مع الذين صنعوا لنا الف ازمة مقدسات دنسوها جميعا ثم راحوا يتسترون خلفها وحولوها إلى ساطور يضربون به كل من طالب بحقوقه او قام بواجب اصلاح الحال نتوكل على لله ونقتحم اذا كنا مؤمنين بقدرنا هي مرحلة قد تطول او تقصر ولكن تأكدوا بان فئران السفينة ستغادرها عندما تلوح العاصفة في الافق وعلينا بالصبر·
كل ما نرجوه ان تتقدموا بالاعتذار الشديد للشعب الفضل لصبره عليكم ربما لم تتوفقوا فيما اعلنتم لسقوطكم في شهوة وشبقية السلطة وافسحوا له المجال لكي يختار ما يريد تصور اننا لا نملك اي طموح ولا فكر لاننا عاجزون حتى على قول الحق لاننا ننتظر المنقذ من سيأتي ومن اين سيأتي لاننا نسأل السؤال الغبي الذي بكل بساطة يفضحنا امام العالم الحر قبل ان يفضحنا امام انفسنا من البديل؟
فلا دليل وجهل على صدق هذه الكلمة الا هذا الذي يوضح مدي الجهل وعدم الطموح وخلق الاشياء نحن لا نريد من يحكم ولكن نريد كيف يحكم بل نريد مجتمعا متحضرا واعيا ومتعلما يبني ما هدمتم وهدمه الآخرون·
واختم حديثي بالرواية التي تروى في يوم من الأيام عندما كان كونفو شيوس يمر بجبل تاي سمع امرأة تنتحب بمرارة امام قبر فارسل احد تلاميذه ليسألها عن السبب وقال لها يبدو صوت نحيبك حزن شديد اجابت المرأة قائلة نعم لقد قتل نمر صماي والتهمه ثم لاقى زوجي المصير نفسه اما الآن فانا ابكي على ابني الذي التهمه نمر هو الآخر وعندما سمع كونفوشيس هذا الكلام سألها لماذا لا تتركين هذا المكان فاجابته لانه ليس به حاكم ظالم التفت كونفو شيوس حينها إلى تلاميذه وقال لهم تذكروا دوما يا شباب ان الظلم اشد وطأة على النفس من النمر·
جالت بخاطري هذه الرواية وانا استمع إلى احد اصدقائي من دارفور الجريحة وهو يصف لي بان احد اخوته يصلي الاوقات الخمسة في الحرم الابراهيمي اولى القبلتين في القدس ويرسل لاسرته شهريا ما يسد حاجتهم شهريا من اسرائيل في هذا الزمن التعيس·
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق